العين نفسها

أتراها -لو عرفت مقاييس الأشعة الحديثة- تدعو القاضي إلى كشف أشعة هذه العين المدورة!

قديما خرجت أمي -رحمها الله، وطيب ثراها!- إلى سوق المُكَسّحين (الكسالى) -وهذا اسمها عند أهلها، بتأخر زمانها عن غيرها مبتدأ ومنتهى، وقرب مكانها!- وجالت بين الفلاحات البائعات تفتش عما بقي مما تريد، فإذا بإحداهن -وكانت شابة قد حضرت أول مرة بعد عرسها- تكشف عِقدها من حُليّ عُرسها لإحدى زميلاتها، فلا تكاد تراه حتى ينقطع؛ فتُلبّبها (تخنقها):
قطعته، يا أم عين مدورة!
أو كما حدثتني أمي متعجبة، فلم أفتأ أتخيل احتكام البائعة في ذلك إلى القاضي، وتلمسها ما تحتج به؛ أتراها -لو عرفت مقاييس الأشعة الحديثة- تدعو القاضي إلى كشف أشعة هذه العين المدورة!
وقريبا من ذلك حدثني الدكتور السيد أحمد علي أستاذي النحوي الدرعمي، أنه زاره زوار، فآنسهم وهو الصعيدي الأصيل، بأخبار ابنه المقبل على الزواج، حتى طلب لهم علبة الحليّ التي اشتراها له من المدينة المنورة -وكان قد عمل بها زمانا طويلا- ليقدمه في مهر خطيبته، ففتحها لهم وفيها قطعها كاملة عقدا وقرطين وسوارا وخاتما، سعيدا بذلك، حريصا على مسرتهم حتى ذهبوا، وأعيدت العلبة إلى مكمنها حتى يوم تقديمها لصاحبتها، وعندئذ فتحت لها، فإذا العقد المستولي على المكان قد تقطع ثلاث قطع! فلم يدروا أمن ذلك يعجبون أم بوجوب إصلاحه سريعا يلهثون!
وبعيدا من ذلك هاتفني في غمرة أشغالي التي لا تنتهي أحد أصدقائي القادمين من سفر، فدعوته إلى بيتي بروضة مصر العتيقة، فذكر لي أنه مع أحد زملائه، لا يدري كيف ينسلّ منه إليّ، فدعوته معه، وتركت أشغالي، وأسرعت أجهّز لهما ما يليق بضيافتهما قبل أن يصلا -وكنت وحيدا من أهلي- فعجلت إلى محل مترو الفخم عن يسار البيت أشتري ما أستحسن، ولم أكد أصل حتى وجدتهما عند الباب، وقد ظهر الفرح على زميله بوَشك اطلاعه على بيت الأساطير الذي سارت بأخباره الركبان -ولصديقي ببيتي عهد قديم مستمر- وفرحتُ بهما، وتقدمتهما إلى مكتبي بعدما جُزتُ بهما باحة البيت الواسعة؛ فلم يدر زميله مم يعجب، وخضنا في أحاديث لم أرتبها -علم الله!- تبين لي منها أن زميله أحد من آذَوني على علم غير متحرج مع ذلك من المجيء والإقرار، ولم أملك له في بيتي إلا تمام الضيافة، ولكنه طلب أحد الحمامات وأقربها حمام الباحة، فأخذته إليه، ثم رجعت إلى صديقي أجالسه وأؤانسه، ولكننا استأخرناه؛ فخرجت أتفقده؛ فإذا هو قد فرغ من الحمام -وربما لم يُرده- وخرج منه إلى الباحة يتأملها؛ فأحرجته إلى الرجوع معي حتى انفض المجلس، وأوصلتهما إلى حيث ركبا وذهبا. ثم لم نلبث أن أحسسنا لبعض سيراميك الباحة الفاخر تطبيلا خفيفا، ظل يزداد على الأيام حتى تكسر وكأنه على بركان ثائر، ذكر بعض الباحثين عن سره أنه أثر تسرب رطوبة تفجرت لها بعض قطع الجبس المتخلفة عن إهمال العمال!

Related posts

Leave a Comment